Drücke ESC zum Schließen

نيسان 2025: قراءة مالية للمشهد

April 14, 2025 — 16 Shawwal, 1446

مقدمة

في زاوية من زوايا المشهد الدولي المزدحم بالأزمات، تتسلل أخبار الاقتصاد كما تتسلل الظلال في أزمنة الانطفاء. الدولار لم يعد ذلك السيد الأوحد الذي تُصفّق له الأسواق وتُصغي له العملات، بل غدا ملكًا متوجًا على عرشٍ من قلق، تتآكله الشكوك يوماً بعد يوم.

والذهب، لم يعد زينةً ولا للادخار فقط، بل أقرب إلى وثيقة نجاةٍ لمن خاف أن تضيع سفينته وسط طوفانٍ مالي لا يرحم، وأمسى ملاذًا يحمل في بريقه كل ما تبقى من ثقة الإنسان في شيء لا تطاله المجازفات الرقمية ولا تعصف به قرارات البنوك المركزية.

إنه أشبه بصندوق أسود يحمل أسرار الخلاص حين تشتد الزوابع، أو ترنيمة قديمة يسترجعها المذعورون حين تفقد الأرقام معناها.

الذهب والدولار: تبادل أدوار أم انكشاف المستور؟

لطالما قيل إن الذهب مرآة القلق. وكلما اشتد بريقه، فاعلم أن هناك من استبد به الخوف من غدٍ غير مأمون. والناس لا يُهرَعون إلى الذهب حبًّا في اللمعان، بل لأن بريقه هو آخر ما يتبقى حين تنطفئ مصابيح الطمأنينة.

في عام 2025، تجاوز الذهب حاجز 3000 دولار للأونصة، لا كهزة طارئة بل كمنعطف تاريخي، ولم يرف جفن السوق، وكأن هذا الرقم لم يعد صادمًا ولا استثنائيًا. فالسؤال لم يعد: لماذا ارتفع؟ بل: ما الذي بقي أصلًا ليعوَّل عليه أو يُوثق به؟

الدولار، رغم سطوته وامتداد أنفاسه في شرايين الاقتصاد العالمي، يتعرض لهزات لم تعد خافتة ولا موضع همس بين خبراء البنوك المركزية. هو لا ينهار كما في كوابيس المنظرين، لكنه يرتجف، والارتجاف وحده كافٍ في عالمٍ ترتعد فيه الأسواق قبل أن تنفجر، وفيه تبدو الأرقام أحيانًا كأنها تخوض نوبة ذعر، لا مؤشرات.

الاقتصاد الأمريكي: طمأنةٌ متعبة وأرقامٌ متوترة

البيت الأبيض يُطمئن، وبيانات النمو تُروِّج للتعافي، وتُرصّع التقارير الرسمية بجُمل من طراز “الاقتصاد أقوى مما يُظن”، و”الركود ليس في الأفق”. لكن عيون المستثمرين لا تقرأ العناوين، بل تنقب في الهوامش وتفتش عن الفجوات بين الأسطر. لقد تعلّموا، من التجارب لا من الشعارات، أن ما يُقال أمام القمرات شيء، وما يحدث تحت الطاولة شيء آخر.

فإن ذكرنا التضخم، قالوا إنه تحت السيطرة، بفضل السياسات النقدية “الحكيمة”. لكن أسعار السلع الأساسية في الأسواق لا تبدو خاضعة لهذه “الحكمة”، بل تسلك مساراتها الخاصة، وكأنها ترد على تلك التصريحات بابتسامة ساخرة.

فإن ذكرنا سوق العمل، ادَّعوا أنه مستقر. ومع ذلك، تتوالى أخبار تسريح الآلاف من العمال، لا من الشركات المتعثرة بل من كبرى الكيانات التي كانت تُعدّ ملاذات وظيفية.

وفي مشهدٍ كهذا، من ذا الذي يلوم المستثمرين إن فرّوا إلى الذهب؟ بل عجبا ممن لا يفعل!

البنوك المركزية: حين يتحوّل المشتري الأكبر إلى نذير

حين تشتري البنوك المركزية الذهب بكثافة، فاعلم أن اللعبة تغيّرت. فهؤلاء لا يراهنون، ولا يتعاملون مع الأسواق بعقلية المضارب الذي يشتري اليوم ليبيع غدًا. إنهم يتحركون حين تلوح في الأفق مؤشرات الخطر البنيوي، لا التقلبات العابرة. فشراء الذهب، بالنسبة لهم، ليس استثمارًا ولا تجارة، بل تأمين وجودي، يشبه حفر الملاجئ قبل القصف لا بعده.

الصين تواصل شراء الذهب شهرًا بعد شهر، رغم أنها لم تكشف عن كامل احتياطاتها بعد، وكأنها تراكم صمتًا أكثر مما تراكم سبائك. روسيا، بعد أن فُصلت عن نظام سويفت، لم تجد أبلغ من الذهب لتقول: “لدي بدائل لا تمرّ عبر واشنطن”. أما البنوك المركزية في دولٍ كانت تُصنَّف “ناشئة”، فقد باتت تتصرف وكأنها تعرف أكثر مما يُقال في المؤتمرات الاقتصادية. فهي تكدّس الذهب كما يكدّس الناجون من حربٍ مؤجلة ما تبقّى من عُلب الطعام.

لا شيء يحدث بالصدفة. هذه المؤسسات السيادية لا تتحرك بدافع الهلع، بل بدافع الحسابات الطويلة. وما تُظهره من شهية غير مسبوقة على شراء الذهب ليس مؤشراً على ضعف العملات فحسب، بل على تضاؤل الثقة في النظام النقدي العالمي ذاته، بكل آلياته وتوازناته.

حين تتحرك البنوك المركزية بهذا الاتجاه، فالأمر أشبه بإشارة خافتة لا يلتقطها إلا من يرهفون السمع: اللعبة تغيرت. ما كان يُعد سابقًا احتياطيًّا تكميليًا، بات اليوم أصلًا استراتيجيًا. وفي عُرف الكبار، حين يصبح الذهب ملكًا، فاعلم أن الورق يوشك أن يُخلع عن عرشه.

العالم الجديد: حيث الثقة سلعة نادرة

في هذا المشهد، ما يجري ليس مجرد أرقام وأسواق متداولة. هو انهيار تدريجي لمنظومة اقتصادية كبرى لطالما قامت على تقديس الورق الملون في ظل تجاهل تام لما هو أصل متقوم بذاته.

الدولار، الذي طالما كان رمزًا للقوة، لا يزال يحافظ على سعر صرفه في الظاهر، لكن الحقيقة التي يرفض كثيرون رؤيتها هي أن هذا الثبات لا يعني سوى خسارة جزء من معناه كلما تخلّى العالم عنه في المعاملات الدولية. ما يشهده الاقتصاد العالمي اليوم هو انهيار للثقة أكبر بكثير من أي هبوط في البورصات. فالمشكلة ليست في الأسواق، بل في الأسس التي تفرغها من محتواها شيئًا فشيئًا.

العالم ليس على حافة كارثة وشيكة، ولكن هناك علامات تنذر بتغيرات اقتصادية كبيرة قد تؤثر على الجميع. ما نراه من بيانات رسمية وتصريحات تبدو مطمئنة في الظاهر، قد تخفي بعض الحقائق التي لا تذكرها وسائل الإعلام أو المراقبون. وهذا يذكرنا بقول الله -تعالى- في كتابه الكريم: “يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ”، حيث يبين لنا أن وراء كل حدث حكمة إلهية قد لا نراها دائمًا في اللحظة نفسها. ويجب أن نتذكر أنه في مثل هذه التحولات الاقتصادية، قد تكمن فرص أو مخاطر نحن في غفلة منها، وإذا ما تجاهلنا هذا، فقد نكون قد غفلنا عن الواقع الذي لا يظهر دائمًا في الأرقام.

التحولات التي تشهدها الأسواق تظهر أن القلق لا يتعلق بما يحدث الآن فقط، بل بما قد يحدث في المستقبل القريب. فالتزايد في إقبال البنوك على شراء الذهب قد يكون إشارة إلى تراجع الثقة في أنظمة الاقتصاد التقليدية، ما يعكس ضرورة العودة إلى الثوابت التي تضمن الأمان.

وفي حال استمر هذا الاتجاه، فقد نجد أنفسنا في وقت قريب أمام تغيرات قد تجعل السلع الأساسية أكثر تكلفة أو أقل توفرًا مما تعودنا عليه. وهذه التغيرات تذكير لنا بأن الرزق بيد الله وحده، وأنه هو من يدبر الأمور سبحانه وبحمده، وأننا بحاجة لأن نكون مستعدين لمواجهة ما قد يأتي، ونسعى لأن نكون في موقف التعرض للبركة وطلب ما أحل الله من رزق لعباده، متوكلين عليه سبحانه في كل وقت وحين.

الاقتصاد لا ينهار دفعة واحدة، بل يتفسخ ببطء، كما تتفسخ الإمبراطوريات القديمة. يحدث هذا من الداخل، في صمت مطبق، بينما ينشغل الجميع بتصفيق حماسي لخطابات “التعافي” التي لا تمثل سوى وهمٍ بعيد عن الواقع.

كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ۝ وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ ۝ وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ ۝ كَذَٰلِكَ ۖ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ ۝ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ ۝ وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ ۝ مِن فِرْعَوْنَ ۚ إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِّنَ الْمُسْرِفِينَ ۝ وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَىٰ عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ۝ وَآتَيْنَاهُم مِّنَ الْآيَاتِ مَا فِيهِ بَلَاءٌ مُّبِينٌ

Join the Discussion

Leave a Comment

Comments are moderated